رسالة مفتوحة إلى الدولة الليبية بشأن نتائج الاستعراض الدوري الشامل

رسالة مفتوحة إلى الدولة الليبية بشأن نتائج الاستعراض الدوري الشامل

25  مارس 2021

 

إلى ممثّلي دولة ليبيا الموقّرين، 

 

في شهر نوفمبر الماضي، أجرت ليبيا الدورة الثالثة من الاستعراض الدوري الشامل وتلقّت خلالها 285 توصيةً من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد. وبتاريخ 16 مارس 2021، اعتمد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، كجزءٍ من دورته العادية السادسة والأربعين، تقرير النتائج للاستعراض الدوري الشامل لليبيا، بما في ذلك التوصيات التي قبلت بها الدولة الليبية. ومن بين 285 توصية، وافقت ليبيا على 181 توصيةً ووضعت ملاحظاتٍ على 104 توصياتٍ أخرى.

إنّ منظمات حقوق الإنسان الموقّعة أدناه تدعو الدولة الليبية، وبشكلٍ طارئ، لأن تفي بالتزاماتها السابقة باحترام حقوق الإنسان وتحقيق المساءلة في البلاد، وذلك ليس عبر تغيير موقفها والقبول بالتوصيات الـ285 فحسب، بل أيضاً بضمان التنفيذ الفوري لكلّ التوصيات الماضية والحالية التي تلقتها من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، في أثناء الاستعراض الدوري الشامل وتحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد. 

وتحثّ المنظمات الموقّعة السلطات على اتخاذ خطواتٍ فعلية ترمي إلى معالجة حالة حقوق الإنسان المتردّية في البلاد من خلال تنفيذ التوصيات التي قبلت بها في الدورتين السابقة والحالية من الاستعراض الدوري الشامل. وإذ نرحّب ببعض الإجراءات التي سبق واتخذت، لتطبيق التوصيات التي قبلت بها الدولة الليبية في سياق الاستعراض الدوري الشامل لعام 2015، كما هو مفصّل في التقرير الوطني لليبيا، بما في ذلك الجهود المبذولة لتفكيك شبكات الإتجار بالبشر، وتعزيز دور المرأة في المجتمع، وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فنحن نؤمن بشدّة بأنّه يمكن وينبغي بذل المزيد من الجهود من أجل تحقيق التغيير الشامل وتحسين حالة حقوق الإنسان في ليبيا. 

وبصورةٍ عامةٍ، لم تنفّذ ليبيا أكثرية التوصيات التي قبلت بها في أثناء الاستعراض الدوري الشامل عام 2015: فما زالت انتهاكات حقوق الإنسان منتشرةً في البلاد في وقتٍ ينعم فيه الجناة بإفلات تامّ من العقاب. كما ولا تزال القوانين الوطنية لليبيا غير متسقةً مع الالتزامات الدولية والمعايير القانونية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. وعلى ضوء النتائج الأخيرة للاستعراض الدوري الشامل، نعيد التأكيد على التوصيات التي كنّا قد أدرجناها في تقارير أصحاب المصلحة التي قدّمناها في شهر أكتوبر 2019. وإن كان صحيحاً أنّ ليبيا كانت قد قبلت ببعض هذه التوصيات، إلاّ أنّها رفضت عدداً كبيراً منها أيضاً. وتتعلّق هذه التوصيات بحرية تكوين الجمعيات والتجمّع السلمي، وبحقوق المرأة وأثر النزاع على قضايا النوع الاجتماعي منذ العام 2011، والانتهاكات ضدّ المهاجرين والسياسات القمعية بشأن اللجوء، فضلاً عن النمط المنتشر لحالات الاختفاء القسري في ليبيا.

ونحن نعرب عن قلقنا بوجه خاص حيال الحملات التي تُشنّ على المجتمع المدني الليبي والقيود الخطيرة على حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات، وهو ما لم تعترف به ليبيا في تقريرها الوطني وفي سياق الحوار التفاعلي بشأن الاستعراض الدوري الشامل، وأخيراً من خلال رفضها للتوصيات المتعلّقة برفع القيود عن المجتمع المدني وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، والإعلاميين والحقوقيين. ذلك أنّ الامتناع عن تنفيذ التوصيات التي تسمح للمجتمع المدني بالعمل على نحوٍ ملائم سيكون له تأثير سلبي على أوضاع حقوق الإنسان في البلاد. ونودّ أن نعرب عن قلقنا بشكلٍ خاص حيال اعتماد القرار 286 لسنة 2019، والتعهّد الذي تلاه، منذ فترةٍ غير بعيدةٍ أيضاً، من جانب مفوضية المجتمع المدني بتاريخ 7 ديسمبر 2020 بتنفيذ المرسوم رقم 286 وما يرافقه من عددٍ أكبر من القيود، الأمر الذي زاد من صلاحيات الدولة الليبية في عرقلة عمل المجتمع المدني في البلاد. وبموجب هذه الأنظمة المقلقة، بات يتعين على منظمات المجتمع المدني الحصول على إذنٍ مسبق من إحدى اللجان الحكومية قبل القيام بأي أبحاث أو ما يتصل بها من أنشطة، وقبل عقد اجتماعات ولقاءات مناصرة دولية، أو التعاون مع المنظمات الدولية أو الوطنية وقيادة أنشطة جمع التبرّعات سواء على الصعيد المحلّي أو الدولي. ومن المعلوم أنّ هذه الأنظمة لا تتوافق مع المعايير الدولية، كما أنّها تنتهك حقوق المجتمع المدني والناشطين الحقوقيين بحرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات والتجمّع السلمي. وممّا لا شكّ فيه أنّ الأفراد والمنظمات في المجتمع المدني يؤدون دوراً هاماً في مسار التحوّل الديمقراطي، ومع توجّه ليبيا إلى إجراء الانتخابات، فإنّ قدرة المجتمع المدني، والليبيين جميعاً على المشاركة في العملية السياسية ترتدي أهميةً قصوى. وبالتالي، على ليبيا أن تضمن للمجتمع المدني العمل بحرية وبدون عوائق من خلال إلغاء الأنظمة والتشريعات القمعية.  

ونحن نرحّب باعتماد المرسوم رقم 210 لسنة 2016 والمرسوم رقم 1436 لسنة 2018 بشأن إنشاء وحدة دعم وتمكين المرأة وغير ذلك من الإجراءات الرامية إلى حماية حقوق المرأة وتمكينها. ونشيد بتعيين خمس نساء في السلطة المؤقتة بمن فيهنّ نجلاء محمّد المنقوش وزيرةً للخارجية وحليمة إبراهيم عبد الرحمن وزيرةً للعدل، ونشدّد على التزام السلطة المؤقتة بتعيين النساء في 30% من المناصب الحكومية العليا. كما نرحّب بقبول ليبيا توصيات عديدة تتناول ضرورة ضمان إدماج المرأة بشكلٍ فاعل في الحياة السياسية وفي المحادثات والمشاورات المتصلة ببناء السلام. ولكننا، مع ذلك، نتأسف لأن الدولة الليبية لم تقبل بالعديد من التوصيات المرتكزة على ضمان حقوق النساء والفتيات. وما زالت العديد من الأحكام التشريعية، مثل قانون العقوبات، تمارس التمييز ضدّ المرأة لا سيما فيما يتعلّق بالزواج والعنف الجنسي. فعلى سبيل المثال، يميّز القانون رقم 24 لسنة 2010 ضدّ المرأة الليبية المتزوّجة من أجنبي من خلال تقييد حقها في منح الجنسية لأولادها. ويستمرّ النزاع وانتشار المجموعات المسلّحة والميليشيات في التأثير سلباً على المرأة، عبر جعلها عرضةً بشكلٍ متزايد للعنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي والذي يتجلّى بشكل عنفٍ جسدي وإلكتروني يشمل التهديد والتحرّش والتعدّي على السمعة. وقد دفع ذلك بعددٍ كبير من النساء إلى الانسحاب من الشأنين العام والسياسي. لذلك، فإنّ الحاجة ملحّة اليوم لأن تعدّل ليبيا إطارها التشريعي عملاً على تعزيز المساواة بين الجنسين وضمان حقوق النساء والفتيات. ولا بد من اتخاذ إجراءات إضافية للقضاء على جميع أشكال العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف الإلكتروني ضدّ المرأة، وضمان بيئة عامة وسياسية تنعم فيها المرأة بالحرية بعيداً عن أيّ أعمال انتقامية. 

بالإضافة إلى ذلك، تتأسف المنظمات الموقّعة أدناه أنّ ليبيا قدّمت ملاحظاتٍ على التوصيات المتعلقة بالقضاء على ممارسات احتجاز المهاجرين واللاجئين بشكلٍ تعسّفي ولفترات غير محدّدة في ليبيا، علماً أنّ مجموعات المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء ما زالت عرضةً باستمرار لانتهاكات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء البلاد. وهم يعانون من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيّئة، ومن الاحتجاز التعسّفي في ظروف غير صحية وتتسم بالاكتظاظ الشديد، ومن العنف الجنسي، والإتجار وغير ذلك من ممارسات الاستغلال. وقد ازدادت هذه الظروف سوءاً مع انتشار جائحة كوفيد-19. لذلك، فإنّ على ليبيا أن تضع حدّاً لتجريم دخول وإقامة وخروج المهاجرين وما يستتبع ذلك من نظام احتجاز آلي، كما ينبغي حماية حقوق اللاجئين وملتمسي اللجوء. وكخطوة تقدّم بهذا الاتجاه، ينبغي لليبيا المصادقة على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين وبروتوكول سنة 1967 الملحق بها. 

وفي وقتٍ يجرّم فيه القانون رقم 10 لسنة 2013 التعذيب والاختفاء القسري، تنتشر هذه الممارسات على نطاقٍ واسعٍ في مختلف أرجاء ليبيا من أجل إسكات الأصوات المعارضة، ومن المعتقد أنّ الآلاف من الأشخاص قد تعرّضوا للاختفاء القسري منذ العام 2011. وقد سُجّل ارتفاع في الحالات الجديدة مع النزاع الذي عقب الهجوم على طرابلس في شهر أبريل 2019. كما أنّ قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية في ليبيا ما زالا غير متسقين مع المعايير الدولية وهما يتضمّنان مقتضيات تسهّل وقوع الاختفاء القسري من خلال احتجاز المعتقلين خارج إشراف القضاء ومن دون إمكانية التواصل مع محاميهم وأفراد عائلاتهم. ونرحّب بواقع أنّ ليبيا قد أبدت استعدادها للمصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري ووافقت على التوصية الموجّهة إليها بهذا الشأن. وندعو دولة ليبيا اليوم إلى الوفاء بهذا التعهّد واتخاذ الخطوات السريعة للانضمام إلى الاتفاقية وإلى البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب الذي ينصّ على إنشاء هيئات تتولّى منع حدوث التعذيب واعتماد نظام تفتيش دولي لأماكن الاحتجاز. ولكن يؤسفنا أنّ ليبيا لم تقبل بالتوصيات التي تتناول تعديل قانون العقوبات لكي يتوافق مع المعايير الدولية وإدراج تعريفات واضحة للجرائم بموجب القانون الدولي في النظام القانوني المحلّي في ليبيا. وينبغي إذاً اتخاذ المزيد من الإجراءات في هذا الصدد كي يتوافق الإطار القانوني الوطني لليبيا مع المواثيق الدولية الأساسية لتيسير مكافحة الإفلات من العقاب. ومن الأهمية بمكان أن توفّر السلطات الليبية إمكانية الوصول من دون عراقيل إلى البعثة المستقلّة لتقصّي الحقائق حول ليبيا التي أُنشئت حديثاً والتعاون الكامل معها من أجل التحقيق في هذه الانتهاكات وغيرها وتحديد مرتكبيها.

على ضوء ما سبق وذُكر، نودّ أن نذكّر الدولة الليبية بالتزامها المستمرّ في احترام حقوق الإنسان وحمايتها، ونحثّها على تنفيذ كافة التوصيات المقدّمة لها أثناء الاستعراض الدوري الشامل. كما وترحّب المنظمات الموقّعة أدناه بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية كخطوةٍ إيجابية على درب بناء الدولة والسلام، وتودّ أن تشير إلى دورها الأساسي في عملية انتقال ليبيا نحو السلام المستدام، ولكي يتحقق ذلك، لا بدّ من أن تمنح حكومة الوحدة الوطنية الأولوية لحقوق الإنسان في سياساتها. فمن بعد عشر سنوات على انتفاضة 2011، تمثّل هذه المرحلة محطةً هامةً وفرصةً لكي تجدّد ليبيا التزامها بتحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد وتؤكّد على هذا الالتزام.

 

وتفضّلوا بقبول فائق الاحترام

المنظّمات الموقّعة:

محامون من أجل العدالة في ليبيا

تجمع شباب من أجل تاورغاء

جمعية ليبية وابني غريب للعمل الأهلي والخيري

الجمعية الليبية للثقافة التباوية

المركز الليبي لحرية الصحافة

تمكين للأشخاص ذوي الإعاقة

المهارات

نُشِر في

مارس 29, 2021