يثني مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومنظمات المنصة الليبية على قرار المحكمة المدنية الابتدائية في البيضاء بشرق ليبيا، والصادر في 4 ديسمبر الجاري، بإلغاء مرسومين لحكومة الوحدة الوطنية، تم اعتمادهما عام 2023، وشكلا تهديدًا خطيرًا لوجود الجمعيات المحلية والدولية العاملة في ليبيا.
المرسومان المعنيان هما المرسوم رقم 312 الصادر في 22 مايو 2023، والمرسوم رقم 7 الصادر في 21 مارس 2023. إذ يقضي الأول بتشكيل لجنة تحت إشراف رئيس الوزراء، تتولى الإشراف على المجتمع المدني، مع صلاحيات واسعة وغير مبررة، تبيح التدخل في عمل الجمعيات، على نحو ينتقص من استقلالها. بينما يجبر المرسوم رقم 7 الجمعيات على توفيق أوضاعها بموجب قانون تنظيم الجمعيات سيئ السمعة رقم 19 لعام 2001، الذي يعود لعهد القذافي، مما يعيق عمل منظمات المجتمع المدني.
يتعارض القانون 19/2001، مع المادة 15 من الإعلان الدستوري الليبي 2011، ومع ضمانات حرية التنظيم وتكوين الجمعيات وفقًا للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (المادة22) والذي انضمت إليه ليبيا عام 1970. ورغم إلغاء هذا القانون رسميًا بموجب الإعلان الدستوري الليبي، والمادة 6 من القانون رقم 29 لسنة 2013، ما زالت الأنظمة المتعاقبة في ليبيا تستند إليه.
جاء حكم المحكمة الابتدائية استجابًة للطعن القانوني الذي قدمته منظمتا الأمان لمناهضة التمييز العنصري، والحوار من أجل التحول الديمقراطي، على مرسومي حكومة الوحدة الوطنية، باعتبارهما يتعارضان مع ضمانات حرية تكوين الجمعيات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها ليبيا ومع الإعلان الدستوري الليبي. ورغم أن إلغاء هذه المراسيم يمثل انتصارًا لحرية التنظيم، إلا أن تقاعس البرلمان الليبي عن إقرار تشريع جديد ينظم عمل الجمعيات ويكفل حريتها.
ففي ظل هذا الفراغ التشريعي، أصدرت السلطات الليبية الشرقية والغربية، بين عامي 2016 ومارس 2023، 7 قرارات ولوائح إدارية، تفرض قيودًا تنفيذية على عمل وتسجيل المنظمات المحلية والدولية وتصادر حريتها، وتستهدف بشكل خاص منظمات حقوق الإنسان، وتترك المنظمات عرضة لمداهمة مقارها وتعليق أنشطتها وتجميد أصولها وحتى حلها، دون أمر من المحكمة. مثل القرار رقم 1 ورقم 2 لعام 2016 الصادرة عن حكومة الشرق، والقرار رقم 286 لعام 2019 الصادر عن المجلس الرئاسي في طرابلس، والقرار رقم 5 لعام 2023 الصادر عن اللجنة العامة للمجتمع المدني لحكومة طرابلس. وبسبب هذه القرارات تضطر منظمات المجتمع المدني إلى توقيع تعهد بعدم التواصل مع الكيانات الأجنبية دون موافقة الحكومة، على نحو يقوض من عملها واستقلالها. كما يتعين عليها الحصول على إذن من لجنة المجتمع المدني لتلقي تمويل أو الانخراط في تنفيذ أي مشروع.
ومع ذلك، ورغم أن إلغاء هذه المراسيم يمثل انتصارًا كبيرًا، إلا أن الإشكالية الأساسية المتمثلة في استمرار العمل بالقانون رقم 19 لعام 2001 لا تزال دون حل. فهذا القانون يحظر تأسيس منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان، ولا يعتد إلا بالمنظمات التي تقدم خدمات اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو خيرية أو إنسانية. كما يتطلب موافقة الجهة التنفيذية على تأسيس المنظمات، ويمنح السلطات حق غلق المنظمات أو حلها أو دمجها أو تعيين مجلس إدارة مؤقت لتولي شئونها، دون إذن أو إشراف قضائي. ومن ثم، فتقاعس البرلمان الليبي عن سن تشريع جديد ينظم عمل الجمعيات ويضمن استقلالها، يترك الباب مفتوحًا لتطبيق القانون القمعي رقم 19/2001، ويتسبب في تجاوز السلطة التنفيذية لدورها إلى سلطة التشريع، مما يقوض بشكل كبير فرص تنمية المجتمع المدني.
ونحن إذ نقر أن قرار المحكمة الأخير يمثل علامة فارقة في سبيل تحرير العمل الأهلي وحرية تكوين الجمعيات في ليبيا، إلا أنه كخطوة أولى يستلزم أن يستتبعه مزيد من الإجراءات. ولذا، نطالب البرلمان الليبي بسرعة النظر في مقترح القانون المقدم من منظمات المجتمع المدني الليبي بشأن تحرير العمل الأهلي، والمقدم للجنة التشريعية للبرلمان منذ أكتوبر 2021، والعمل على سرعة إقرار قانون جديد يضمن حرية تكوين الجمعيات، كما نطالب الحكومة الليبية بـ:
- تفعيل قرار المحكمة واحترامه علنًا، والاعتراف بشرعية جميع الجمعيات المسجلة منذ عام 2011 وإعادة التأكيد على سلامة وضعها القانوني.
- تعليق تطبيق القانون رقم 19 لسنة 2001، وأي قرار يستند إليه.
- اتخاذ خطوات ملموسة لخلق بيئة مواتية لعمل منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك ضمان سلامتها وأمنها.