رسالة مفتوحة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية
حرية الإعلام هي السبيل لانتخابات حرة ونزيهة
15 أبريل 2021
الموضوع: المطالبة بإجراءات عاجلة بهدف تحسين وضعية حرية الصحافة والتعبير في ليبيا
السيد عبد الحميد إدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية
في البداية، نهنئكم –نحن المنظمات الحقوقية المحلية والدولية الموقعة على هذه الرسالة– لنيل ثقة مجلس النواب، آملين لكم التوفيق في تحقيق الالتزامات المطلوبة. ونحثكم على اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان إجراء إصلاحات هيكلية لقطاع الإعلام وتحسين وضعية حرية الصحافة والتعبير في ليبيا بما يتوافق مع خارطة طريق ائتلاف المنصة الخاصة بتعزيز حقوق الإنسان. ونؤكد في الوقت ذاته أن حرية الإعلام أولوية لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
لقد تعمدت الحكومات السابقة تجاهل قطاع الإعلام، وأغفلت إجراء أي إصلاحات حقيقية لتعزيز دور المؤسسات الإعلامية العمومية الممولة من الخزانة العامة، وتُرك القطاع لتتقاسم النفوذ فيه أطراف متعددة، بدلًا من استحداث هيئة تنظيمية يديرها أشخاص أكفاء ونزهاء ومستقلين يعملون على إعادة الحوكمة وإصلاح القطاع وضمان التعددية في المشهد الإعلامي وفقًا للمعايير الدولية القائمة على احترام المعاهدات الدولية والأخلاقيات المهنية ذات الصلة.
في هذا السياق، تطالب المنظمات الموقعة بضرورة إعادة النظر في القرار رقم 597 لسنة 2020 بإنشاء المؤسسة الليبية للإعلام، والذي يمنح المؤسسة صلاحيات واسعة في إصرار واضح من السلطة السياسية على توظيف الإعلام ليصبح أداة لمواجهة المجموعات السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني. كما تؤكد افتقار القرار للمشروعية؛ نظرًا لعدم التشاور حوله مع نواب المجلس الرئاسي أو أعضاء المجلس الوزراء أو المنظمات المهنية والصحفيين والأكاديميين والفاعلين في المشهد الإعلامي. ورغم الصلاحيات الواسعة التي منحها القرار للمؤسسة الليبية للإعلام، إلا أن الملمح البارز كان غياب أي ضمانات لاستقلاليتها، فضلًا عن تضمن القرار لعبارات وألفاظ فضفاضة، مثل »عقيدة المجتمع« و»توجهات المجتمع«، من شأنها تقويض حرية الإعلام، وبسط سيطرة فصيل بعينه على المشهد الإعلامي ككل. وهو ما يتعارض مع المعايير الدولية الهادفة لتشكيل هيئات تنظيمية مستقلة لمجال الإعلام، يديرها أشخاص يتسمون بالكفاءة والنزاهة والاستقلالية.[1]
كذا تخالف الصلاحيات الواسعة الممنوحة للمؤسسة الليبية للإعلام المادة 15 من الإعلان الدستوري، والتي تنص على ضمان الدولة لحرية الرأي وحرية التعبير الفردي والجماعي، وحرية البحث العلمي، وحرية الاتصال، وحرية الصحافة ووسائل الإعلام والطباعة والنشر. وعلاوة على ذلك، يعتبر قرار إنشاء المؤسسة ذاته مخالفًا للمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يقتضي –حسب ما جاء في التعليق العام رقم 34 لسنة 2011 الصادر عن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان – سن السلطة التشريعية للقوانين المتعلقة بحرية التعبير والصحافة »بدقة كافية لكي يتسنى للفرد ضبط سلوكه وفقًا لها ويجب إتاحتها لعامة الجمهور. ولا يجوز أن يمنح القانون الأشخاص المسئولين عن تنفيذه سلطة تقديرية مطلقة في تقييد حرية التعبير. ويجب أن ينص القانون على توجيهات كافية للمكلفين بتنفيذه لتمكينهم من التحقق على النحو المناسب من أنواع التعبير التي تخضع للتقييد وتلك التي لا تخضع لهذا التقييد«.
وفي ضوء المعايير المذكورة، يتعين على السلطات الليبية وضع إطار قانوني واضح يعين من خلاله رئيس المؤسسة الليبية للإعلام بصورة تشاركية وشفافة وفقًا لمعايير الكفاءة العلمية والمهنية؛ لضمان قدرته على التسيير. مع ضمان النزاهة والاستقلالية اللازمين في سياق الانتقال الديمقراطي؛ لضمان عدم تحويل مؤسسات الإعلام العمومي إلى إعلام حكومي.
في سياق متصل، دأبت جهات مختلفة في الحكومات المتعاقبة على تطبيق قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972 بصورة منافية للمعايير الدولية، مثل إعطاء أذونات مزاولة للصحافة. ويتعارض فرض الحصول على ترخيص مسبق لممارسة الصحافة مع مقتضيات المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، حيث اعتبرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في التعليق العام رقم 34 لسنة 2011 أن »الصحافة مهنة تتقاسمها طائفة واسعة من الجهات الفاعلة، من بينهم المراسلون والمحللون المحترفون والمتفرغون فضلًا عن أصحاب المدونات الإلكترونية وغيرهم ممن يشاركون في أشكال النشر الذاتي المطبوع أو على شبكة الإنترنت أو في مواضع أخـرى، وتتعارض النظم الحكومية العامة لتسجيل الصحفيين أو الترخيص لهم مع الفقرة 3«. كما تضع السلطات التنفيذية شروطا جديدة لعمل الصحفيين من تلقاء نفسها دون سند قانوني أو دستوري، مثل مطالبة لوسائل الإعلام الراغبة في التواصل ونقل الأخبار المتعلقة برئيس الحكومة الجديدة بإرسال وثائق إلى المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة في غضون يومين، منها ترخيص المؤسسة، ورسالة من المؤسسة إلى المكتب الإعلامي، وأسماء اثنين من المراسلين في المدن الأخرى وأماكن تواجدهم وأرقام هواتفهم.
السيد عبد الحميد إدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية؛
نطالب سيادتكم بضرورة وضع سياسات عمومية لإدارة ملف قطاع الإعلام حتى نتجاوز حالة الضبابية والفوضى التي تخيم على قطاع الصحافة والإعلام في البلاد من خلال سبعة مسارات رئيسية مستعجلة وهي:
- إعادة النظر في القرار رقم 597 لسنة 2020 المنشئ للمؤسسة الليبية للإعلام، واقتصار دورها المؤقت في الإشراف على وسائل الإعلام العمومي.
- إنشاء مجلس إدارة موحد للمؤسسة الوطنية للإعلام، يتكون من خبراء أكفاء ومهنيين، ويشرفون على توحيد مؤسسات الإعلام العمومية، وعلى عملية الإصلاح الهيكلي للقطاع، وتعزيز وسائل الإعلام العمومية.
- إعادة النظر في قرارات التعيين التي أصدرها رئيس المؤسسة الليبية للإعلام لعدة مناصب قيادية في المؤسسات الإعلامية العمومية سواء التلفزيونية أو الإذاعية أو وكالة الأنباء الليبية أو مركز تطوير الإعلام الجديد، واستحداث لجنة مشتركة لإعادة التعيينات وفق مقاييس الكفاءة والنزاهة والشفافية والاستقلالية.
- إصدار قرار لجميع مؤسسات الدولة بتسهيل عمل الصحفيين، وإتاحة الحق في الوصول إلى المعلومات.
- إعادة تفعيل دور إدارة المطبوعات، ومنحها –بصفة مؤقتة– مهمة وضع لوائح تتميز بالشفافية في تسجيل المؤسسات الإعلامية بمختلف أنواعها وملكيتها ومصادر تمويلها، ومهام إصدار تراخيص البث المسموع والمرئي وفقًا للمعايير الدولية بالتعاون مع إدارة الطيف الترددي في هيئة الاتصالات، وإشراك لجنة من الخبراء المحامين والصحفيين المستقلين المشهود لهم بالخبرة والكفاءة في مجال تنظيم الإعلام لتكون جزءً من لجنة إدارة المطبوعات.
- عدم إيقاف أو القبض على أي صحفي بسبب عمله، والإفراج الفوري عن جميع الصحفيين المحتجزين حاليًا مثل إسماعيل الزوي.
- حث وزارة العدل على التواصل والتعاون مع منظمات المجتمع المدني المعنية بحرية الرأي والتعبير في سبيل إعداد مقترح قانون جديد للإعلام يتوافق مع المواثيق الدولية، وقانون الحق في الوصول إلى المعلومة، وضمان عرضهما على السلطة التشريعية لإصدارهما قبل الانتخابات القادمة.
نشكركم مقدمًا لما ستولونه من اهتمام لمطالبنـا هذه، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير لكم.
المنظمات الموقعة:
- المركز الليبي لحرية الصحافة
- المنظمة الليبية للإعلام المٌستقل
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- منظمة الأمان لمناهضة التمييز العنصري
- مؤسسة بلادى لحقوق الإنسان
[1] أنظر مثلًا التعليق العام رقم 34 لسنة 2011 الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان:
يراجع أيضا في الإطار نفسه توصية المجلس الأوروبي حول استقلالية ومهام الهيئات التعديلية في مجال الإعلام السمعي البصري:
https://search.coe.int/cm/Pages/result_details.aspx?ObjectId=09000016804e20f0