منذُ اندلاع حـ.ـرب الإبادة على غـ.ـزّة في أكتوبر 2023، يقفُ الصّحفيون الفلسطينيّون في قلب النّيران، وليس فقط لينقلوا الحقيقة؛ بل ليتحوّلوا إلى أهدافٍ مُباشرة للاحتلال الإسرائيلي. ورُغم أنّ القانون الدولي يعتبرهم مدنيّين محميّين، أكثر من 270 صحفيًّا وعاملًا في قطاع الإعلام استشهد أثناء أداء واجبهم المهني، في حصيلةٍ غير مسبوقة بتاريخ الحروب المُعاصرة.
في 25 أغسطس الجاري استهدف القصف الإسرائيلي مُجمّع ناصر الطّبي بخان يونس بضربٍ مزدوج، الأولى أصابت المستشفى، والثّانية جاءت بعد دقائق لتقتُل من هرعوا للإنقاذ وتغطية الجريمة. بين الشّهداء كان خمسة صحفيّين يوثّقون ما جرى: حسام المصري من وكالة رويترز، ومريم أبو دقّة من وكالة أسوشيتد برس، وصحفيّون يعملون مع الجزيرة ووسائل محلية؛ محمد سلامة، أحمد أبو عزيز، معاذ أبو طه.
المُفارقة الّتي جاءت لاحقًا هي خروج جيش الاحتلال الإسرائيلي بتصريحٍ يؤكّد أن “صحفيّي رويترز وأسوشييتيد برس لم يكونا هدفًا للغارة”. وهو اعترافٌ يُظهر بوضوح سياسة التّمييز في رواية الاحتلال؛ الاعتراف بمقتل صحفيّين يعملان مع مؤسساتٍ إعلامية دولية باعتباره “حادثًا غير مقصود”، مقابل تجاهل متعمّد لزملائهم الّذين استهدفوا واستُشهدوا في الّلحظة ذاتها، وكأن حياتهم لا تستحق التّبرير أو الذكر…
تكشف هذه الازدواجية كيف يحاول الاحتلال صياغة سرديّته الإعلامية على مقاس الرأي العام الغربي، حيثُ يقدم نفسه وكأنه “يأسف” لوقوع ضحايا من مؤسساتٍ كُبرى ذات نفوذٍ عالمي، بينما يستمر في شيطنة الصحفيين الفلسطينيّين واعتبار دمهم مباحًا بلا ثمن.

