رسالة مفتوحة لرئيس حكومة الوحدة الوطنية
حرية الإعلام المهني المسؤول هي السبيل لانتخابات حرة ونزيهة
طريق السكة – طرابلس
28 مارس -2021
الموضوع : المٌطالبة بتعديل قرار إنشاء المؤسسة الليبية للإعلام
يطيب لنا تهنئتكم في الحصول على الثقة من مجلس النواب ، وأملين لكم التوفيق في تحقيق الاستحقاقات المطلوبة .
السيد عبد الحميد إدبيبة / رئيس حكومة الوحدة الوطنية .
نحن المنظمات المعنية بقضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير الوطنية والدولية الموقعين على هذه الرسالة المفتوحة نوجهها لسيادتكم للمٌطالبة بإتخاذ إجراءات عاجلة تضمن إجراء إصلاحات هيكلية لقطاع الإعلام وتحسين وضعية حٌرية الصحافة والتعبير في ليبيا .
لقد تعمدت الحكومات السابقة على إهمام ملف قطاع الإعلام في إجراء أي إصلاحات حقيقية تٌفضي بتعزيز دور المؤسسات الإعلامية العمومية الممولة من الخزانة العامة ، وتٌرك القطاع لتقاسم النفوذ فيه بين اطراف عدة ، بدلاً من التركيز على استحداث هيئة تنظيمية تٌديرها أشخاص أكفاء ونزهاء ومستقلين يعملون على إعادة الحوكمة وإصلاح القطاع وضمان التعددية في المشهد الإعلامي وفقاً للمعايير الدولية القائمة على إحترام الأخلاقيات المهنية .
وإذ نٌطالب بضرورة بإعادة النظر في القرار رقم 597 لسنة 2020 القاضي بإنشاء المؤسسة الليبية للإعلام بصلاحيات واسعة في إصرار واضح من السلطة السياسية على توظيف الإعلام ليصبح أداة إتصالية لمواجهة المجموعات السياسية ومنظمات المجتمع المدني ، حيث يفتقر القرار إلي المشروعية المطلوبة ، لإتخاذه بشكل أحادي دون إحترام للمسار التشاركي الذي يقع من خلاله التشاور مع نواب المجلس الرئاسي أو أعضاء المجلس الوزراء أو المنظمات المهنية والصحفيين والأكادميين وبقية الفاعلين في المشهد الإعلامي.
وبالنظر إلى الصلاحيات الواسعة في القرار رقم 597 لسنة 2020 نجد أنه أخذ اختصاصات ومهام وزارة الإعلام من قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972 وتكون بذلك السلطة التنفيذية ” المجلس الرئاسي السابق” قد اغتصبت كافة السلطات المخولة للسلطة التشريعية “مجلس النواب” حسب المادة 15 من الإعلان الدستوري، التي تشترط أن تضمن الدولة حرية الرأي وحرية التعبير الفردي والجماعي، وحرية البحث العلمي، وحرية الاتصال، وحرية الصحافة ووسائل الإعلام والطباعة والنشر ، والذي كان من المفترض أن تقوم السلطة التشريعية بتعديل قانون المطبوعات أو إلغائه ويقتصر دور السلطات التنفيذية على إصدار قرارات ولوائح تستجيب لفحوى القانون المعدل أو الجديد وتنفيذ بنوده.
لقد استخدمت جهات مختلفة في الحكومات المتعاقبة قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972 بطريقة غير قانونية فأعطت لنفسها صلاحيات لم يعطها القانون مثل إدارة المطبوعات والمصنفات الفنية في هيئة الثقافة أو مكاتب التراخيص في هيئة الإعلام أو المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون هي كانت من تقوم حاليا بإعطاء أذونات مزاولة للصحافة الورقية المطبوعة والالكترونية والمسموعة والتلفزيونية الخاصة والعامة مستندة في ذلك إلى قانون المطبوعات إلا أنها تجاوزت عن بعض الاشتراطات الموجودة في القانون بلا أي سند قانوني مثل شرط أن يكون صاحب المطبوعة مؤمنا بالثورة العربية وملتزما بأهدافها وأهداف ومبادئ العمل في الاتحاد الاشتراكي العربي وغيرها من الشروط التي تجعل من القانون نفسه مخالفا للإعلان الدستوري والمواثيق الدولية وظلت العديد من القنوات الفضائية والإذعات المسموعة الخاصة تبث بلا تراخيص في غرب البلاد كما في شرقها وجنوبها.
أما فيما يتعلق بمهام إعطاء التراخيص لمندوبي المؤسسات الإعلامية الأجنبية المقيمين في ليبيا فقد خص بها قانون المطبوعات وزارة الإعلام دون غيرها وبالتالي من المهم جدا وضع حد لتداخل الاختصاصات في العمل الإعلامي، وأحد أسباب هذا التداخل هو الجهل بالتشريعات السارية حاليا من جهة ، وقفز بعض المؤسسات على اختصاصات مؤسسات أخرى من جهة ثانية دون سند قانوني مثل ما تقوم به إدارة الإعلام الخارجي في وزارة الخارجية منذ سنوات من تضييق وإجراءات تعسفية ضد مندوبي ومراسلي المؤسسات الإعلامية أجنبية سواء من المقيمين في ليبيا أو المراسلين الزوار.
لقد مٌنحت المؤسسة المٌستحدثة مؤخراً من حكومة الوفاق الوطني السابقة صلاحيات واسعة النطاق إستشارية ورقابية وتنفيذية وتتعارض مع الإتجاهات الدولية في مجال الحوكمة الديمقراطية للإعلام ، حيث إنها لا تتمتع بأي إستقلالية فعلية على السلطة التنفيذية ولا يٌمكنها إتخاذ أي قرارات إلا بعد ترخيص مجلس الوزراء ، بل إن تعيين نائب الرئيس يخضع كذلك للمجلس الوزاري .
وتستدعي هذه الصلاحيات الصبغة الفضفاضة للعبارات المٌستعملة والتي من شأنها أن تمنح المؤسسة الجديدة سلطة تقديرية واسعة في التحكم بالمشهد الإعلامي من خلال فرض تأويل سياسي لعبارات ” الرأي العام ” و ” عقيدة المجتمع الليبي ” و “توجهات المجتمع الليبي ” ويتعزز هذا التوجس بالعودة إلي طريقة تعيين رئيساً لهذه المؤسسة ، عليه دائرة خلافات وجدل كبيرين .
وبالنظر لهذه الصلاحيات الواسعة وعدد الجهات التابعة للمؤسسة الليبية للإعلام فإن طريقة التعيين الأحادية وغير التشاركية لرئيس المؤسسة تدل على إرادة سياسية واضحة نحو مزيد بسط يدها على الإعلام الليبي والتحكم فيه ليكون بوق دعاية له عوض أن يكون ركيزة من ركائز الانتقال الديمقراطي.
ولا يجب أن ننسى أنه عمل بمبدأ توازي الصيغ والشكليات فإن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني يمكنه إقالة رئيس المؤسسة الليبية للإعلام في أي وقت بدون أي ضمانات وهو ما يزيد في هشاشة المؤسسة المذكورة التي ستكون خاضعة للسلطة التنفيذية.
ويجب التذكير أن القرارات الأحادية التي اتخذها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني السابق تفتقد للمشروعية المطلوبة ، علاوة على عدم ذكر المعايير المهنية التي وقع الرجوع إليها عند اتخاذ قرار التعيين. وكان من الأجدر أن تقع التسمية وفقا لمعايير الكفاءة العلمية والمهنية لضمان قدرة رئيس المؤسسة الليبية للإعلام على التسيير إلى جانب شرطي النزاهة والاستقلالية اللذين يعتبران من أوكد الخصال الواجب توفرها في سياق الانتقال الديمقراطي من أجل ضمان عدم تحويل مؤسسات الإعلام العمومي إلى إعلام حكومي. كما يتضارب هذا القرار مع الفقرة الأخيرة من توطئة الإعلان الدستوري التي تنص على أن المجتمع المراد تأسيسه “لا مكان فيه … لحكم الفرد” وهو ما غاب عن قرار تعيين رئيس المؤسسة الليبية للإعلام الذي عَكَس توجها فردانيا بامتياز.
وبالرغم من أن هيئة الرقابة الإدارية بحكومة الوفاق اعتبرت قرار المجلس الرئاسي (597) لسنة 2020 مخالفا للاتفاق السياسي في رسالة وجهتها إلى ؤئيس وأعضاء المجلس الرئاسي في يناير 2021 ، وبالرغم من صدور قرار ديوان المحاسبة رقم131 لسنة 2021 والذي يقضي أحدهما بإيقاف رئيس المؤسسة الليبية للإعلام ، احتياطيًّا عن العمل، والقرار رقم 132 لسنة 2021 بإخضاع حسابات المؤسسة الليبية للإعلام للرقابة المصاحبة من قبل الديوان وذلك لعرقة رئيس المؤسسة بعيو عمل اللجنة المكلفة من قبل الديوان بفحص حسابات المؤسسة، وعدم تمكينها من الاطلاع على المستندات والوقوف على أرصدة الحسابات ، إلا أن السيد بعيو واستمر في عمله وإصدار قراراته ضاربا بعرض الحائط كل القرارات من الجهات الرقابية في الدولة.
لقد سبق للسيد رئيس المؤسسة الليبية للإعلام أن تصرف في المؤسسات التابعة لها بطريقة فوقية في غياب تام للتشاور داخل المؤسسات أو خارجها فأصدر في الفترة من ديسمبر 2020 إلى مارس 2021 أربعة وستين قرارا لم ينشر منها إلا أربعة قرارات عبر الصفحة الرسمية للمؤسسة وشاب أغلبها عيوب قانونية مثل قرارات التعيين في مناصب قيادية في المؤسسات العمومية بلا معايير ووإقالة آخرين بلا توضيح لأسباب الإقالة علاوة على قرارات لا يحق له إصدراها مثل قراره رقم 64 لسنة 2021 لتوحيد ودمج وكالة الأنباء الليبية في المنطقتين الشرقية والغربية والذي لا يمكن إلا أن يصدر من رئاسة مجلس الوزراء حسب قانون إنشاءها ، وقراره رقم 50 لسنة 2021 بشأن حظر استخدام اسم ليبيا في وسائل الإعلام الخاصة الأمر الذي يحتاج لقانون يصدر من السلطة التشريعية .
وإذا نٌطالب سيادتكم بضرورة وضع سياسات عمومية لإدارة ملف قطاع الإعلام حتي نتجاوز حالة الضبابية والفوضى التي يٌخيم عليها قطاع الصحافة والإعلام في البلاد من خلال ثلاثة مسارات رئيسية مٌستعجلة وهي :
- إعادة النظر في القرار رقم 597 لسنة 2020 القاضي بإنشاء المؤسسة الليبية للإعلام ، وعدم التوسع في الصلاحيات التنفيذية أو الإستشارية ، واقتصار دورها المؤقت الإشراف على وسائل الإعلام العمومي وتوحيد خطابها وإلزامها بمدونة سلوك مهني إعلامي وتعزيز دورها في القيام بوظائف الإعلام العمومي وأولها التركيز على ما يهم المواطن لا ما يهم المسؤول.
- إنشاء مجلس إدارة موحد للمؤسسة الوطنية للإعلام ، يتكون من خبراء ذوي كفاءة ومهنية ، يتم تسميتهم بقرار من مجلس الوزراء ، ويشرفون على توحيد مؤسسات الإعلام العمومية شرقاُ وغرباً وجنوبا وعلى عملية الإصلاح الهيكلي للقطاع وتقوية وسائل الإعلام العمومية ودورها في المجتمع الليبي بعد اعتماد مدونة سلوك مهني لجميع هذه المؤسسات لا يتدخل فيها أحد بدءا من مجلس المؤسسة أو مدراء المؤسسات الإعلامية.
- إعادة النظر في قرارات التعيين التي أصدرها رئيس المؤسسة الليبية للإعلام لعدة مناصب قيادية في المؤسسات الإعلامية العمومية سواء التلفزيونية أو الإذاعية أو وكالة الانباء الليبية أو مركز تطوير الإعلام الجديد وإحداث لجنة مشتركة لإعادة التعيينات وفق مقاييس الكفاءة والنزاهة والشفافية والاستقلالية وذلك في سبيل وضع الأسس الموضوعية التي تساعد على ضمان نجاح عملية الانتقال الديمقراطي وحسن الإعداد للانتخابات القادمة بطريقة شفافة ومستقلة بعيدة عن كل أشكال التبعية والابتزاز.
- إصدار قرار إلى جميع مؤسسات الدولة بتسهيل عمل الصحفيين وذلك بإعطائهم الحق في الحصول على المعلومة من مؤسسات الدولة العامة والخاصة .
- إعادة تفعيل دور إدارة المطبوعات في وازرة الثقافة والتنمية المعرفية وإسنادها بصفة مؤقتة مهمة وضع لوائح تتميز بالشفافية في تسجيل المؤسسات الإعلامية بمختلف أنواعها وملكيتها ومصادر تمويلها ومهام إصدار تراخيص البث المسموع والمرئي وفقا للمعايير الدولية بالتعاون مع إدارة الطيف الترددي في هيئة الاتصالات وإشراك لجنة من الخبراء المحامين والصحفيين المستقلين المشهود لهم بالخبرة والكفاءة في مجال تنظيم الإعلام لتكون جزءا من لجنة إدارة المطبوعات.
- إلغاء إدارة الإعلام الخارجي في وزارة الخارجية وإعادة إعطاء مهامهما لإدارة المطبوعات بوزارة الثقافة والمتعلقة بإصدار تصاريح العمل لمراسلي المؤسسات الإعلامية الأجنبية واستقبال طلبات التأشيرة الصحفية والموافقة عليها بالتعاون مع وزارة الخارجية لتسهيل عمل الصحفيين الأجانب .
- عدم إيقاف أو القبض على أي صحفي بسبب عمله إلا بعد الرجوع إلى إدارة المطبوعات وتقديم شكوى مكتوبة إلى الإدارة والتي بدورها تحدد ما إذا كانت الشكوى تشكل جريمة يعاقب عليها الصحفي، ولا يكون القبض إلا بعد أخذ الإذن النائب العام ووزير الداخلية ووزير الثقافة.
- حث وزارة العدل للتواصل والتعاون مع المنظمات المعنية بحرية الرأي والتعبير والمهتمة بإعداد مقترح لقانون جديد للإعلام يتوافق مع المواثيق الدولية وقانون لحق الوصول إلى المعلومة يعرضان على السلطة التشريعية لإصدارهما قبل الانتخابات القادمة.
- ضروة التصدي لوسائل الإعلام المُصدرة لخطاب الكراهية والأخبار المٌضللة والمٌتحيزة ، من خلال إنشاء مرصد وطني لمراقبة أداء المحتوي الصحفي لوسائل الإعلام الليبية أو الموجهة لليبيين .
السيد رئيس الوزراء ، إن ما تشهده ليبيا من حالة فوضي عميقة وتزايد الفساد وحالات النهب والتعامل مع قطاع الإعلام بمبدأ الغنيمة والاستحواذ على مؤسساته بالقوة السلاح والتحايل ، زايد من التراجع الرهيب لترتيب ليبيا وفقاً للمؤشرات الدولية لحرية الإعلام أو الحق في النفاذ للمعلومات ، ويٌنذر بحكم غير نزيه لا تتمتع فيه المؤسسات الإعلامية بأي حٌرية ، ولا تٌحترم فيه الحٌريات العامة بالبلاد ، ولابد عدم غض الطرف عن قضية إجراء إصلاحات عاجلة في بنية قطاع الإعلام والصحافة بما يضمن إعادة فعاليته ودوره كممثل لأطياف الشعب الليبي .
وإذ نٌعرب لكم عن شُكرنا مسبقاً على ما ستتولونه من إهتمام لمطالبنـا هذه ، تفضلُوا بقبول فائق إحترامنـا وتقديرنا لكم .