القطاع الإعلامي في ليبيا ما يزال تحت تأثير قوانين قديمة تقيد حرية التعبير والصحافة.

القطاع الإعلامي في ليبيا ما يزال تحت تأثير قوانين قديمة تقيد حرية التعبير والصحافة.

ليبيا:  منظمات حقوقية تدعو الى حماية حرية الصحافة ودعم إصلاحات قطاع الإعلام

بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، نحن، منظمات حقوق الإنسان والمدافعة على حرية التعبير والإعلام الموقعة أدناه، نعرب عن بالغ قلقنا إزاء التدهور المستمر في أوضاع حرية الإعلام في ليبيا. لا يزال القطاع الإعلامي في البلاد خاضعًا لإطار قانوني ومؤسساتي  قديم ومجزأ، مما يقوض حرية التعبير والصحافة. كما ساهمت التعديلات المتكررة على الهيكل التنظيمي للقطاع الإعلامي، من خلال قرارات حكومية صادرة في كل من طرابلس وبنغازي، غالبًا دون أية مشاورات حقيقية مع الصحفيين أو منظمات المجتمع المدني، في خلق بيئة إعلامية غير مستقرة وقمعية. ندعو السلطات الليبية إلى التعاون والتشاور والانخراط في حوار جاد مع المجتمع المدني والعاملين في مجال الإعلام من أجل تطوير واعتماد إصلاحات شاملة لقطاع الإعلام، تُراعى فيها التزامات ليبيا الدولية في مجال حقوق الإنسان.

الإطار القانوني والمؤسساتي المنظم لحرية التعبير والإعلام مجزأ و مشتت

بعد أكثر من عقد على الانتفاضة في ليبيا ضد حكم معمر القذافي الذي استمر لعقود، لا يزال الإطار القانوني المنظم لحرية التعبير وحرية الإعلام قديمًا وغير متماسك. يعود القانون الرئيسي الذي ينظم الإعلام في ليبيا، وهو قانون المطبوعات،  إلى عام 1972 خلال حكم معمر القذافي، والذي من المفترض أن يقتصر تطبيقه على وسائل الإعلام المطبوعة فقط. ويتسم هذا القانون بالطابع العقابي، إذ يفرض أنظمة ترخيص ورقابة مسبقة تمنح الدولة سلطات تقديرية واسعة للموافقة على منح أو رفض التراخيص، مما يقيّد حرية التعبير وعمل المؤسسات الإعلامية. وتنص المادتان 9 و10 من هذا القانون على ضرورة حصول وسائل الإعلام على موافقة مسبقة من إدارة المطبوعات لمباشرة نشاطها. كما تفرض عقوبة بالسجن لا تقل عن ستة أشهر على أي شخص يعمل دون بطاقة صحفية أو ترخيص.

وفي ظل غياب إطار قانوني شامل يحمي حرية الصحافة والإعلام، لا تزال القوانين القمعية الموروثة من حقبة القذافي سارية المفعول وتُستخدم لقمع الأصوات المعارضة وتقييد عمل الصحفيين. وتشمل هذه القوانين: قانون العقوبات لعام 1953 وتعديلاته، قانون مكافحة الإرهاب رقم 3 لسنة 2014،  والقانون رقم 4 لسنة 2017 بشأن تعديل بعض أحكام قانوني العقوبات العسكرية والإجراءات العسكرية .وقد ساهمت التشريعات الأحدث، مثل القانون المثير للجدل رقم 5 لسنة 2022 بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، في تفاقم البيئة القمعية للعمل الإعلامي. وتتعارض هذه القوانين بشكل مباشر مع الإعلان الدستوري الصادر عام 2011، وتعديلاته والذي ينص على حماية حرية التعبير وحرية الإعلام، وكذلك مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تُعد ليبيا طرفًا  فيه.

ونظرا لغياب تشريعات موحدة وإطار تنظيمي شامل، ساهمت العديد من المراسيم الحكومية، التي تم اعتمادها خلال السنوات الأخيرة، بنية تنظيم قطاع الإعلام في تشكيل المشهد الإعلامي في ليبيا.  ففي جوان/يونيو 2024، أصدر المجلس الوزاري المرسوم رقم 307 لسنة 2024، الذي أُنشئت بموجبه المؤسسة الوطنية للإعلام. وقد أعاد هذا المرسوم فعليًا إحياء مؤسسة الإعلام الليبية السابقة، التي تم إنشاؤها عام 2020 بموجب المرسوم رقم 597، لكنها حُلّت في وقت لاحق عام 2021 بموجب المرسوم رقم 116. واجهت المؤسسة  الليبية للإعلام  انتقادات، حيث أوصت منظمات حقوق الإنسان بإصلاح وضعها القانوني وتشكيل مجلس إدارة يتمتع بالاستقلالية والمهنية والنزاهة. ومع ذلك، تم حلها ونقل الإشراف على وسائل الإعلام العامة إلى ست وزارات وهيئات، بما في ذلك مجلس الوزراء، قبل إعادة دمجها في شبكة الإذاعة والتلفزيون بموجب القرار رقم 1004 لسنة 2022. وقد حذرت منظمات حقوقية آنذاك من أن هذه الخطوة ستؤدي إلى زيادة سيطرة الحكومة على الإعلام العمومي والتدخل في التحرير والمحتوى الإعلامي، مما يشكل انتهاكًا لحرية الإعلام واستقلاليته. ويشكّل هذا القرار تصعيدًا في حالة التخبط المؤسساتي، خاصة بعد إنشاء «المؤسسة الليبية للإعلام» من قبل الحكومة في شرق ليبيا في يونيو 2023.

وفي حين أن إعادة إنشاء المؤسسة الوطنية للإعلام قد يبدو خطوة إلى الأمام في بيئة تفتقر إلى هيئة تنظيمية موحدة وتتسم بتشتت النقابات الصحفية، لا تزال هناك مخاوف بشأن مدى توافقها مع المعايير الدولية لحرية التعبير. لاسيما أن القرار صدر دون  استشارة أصحاب المصلحة من  الصحفيين أو المجتمع المدني رغم تعهد حكومة الوحدة الوطنية، بموجب المنشور رقم 8 لسنة 2021، بإشراك النقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني في رسم السياسات العامة لقطاع الإعلام.

ينص القرار على جمع عدد من الجهات والمؤسسات الإعلامية العمومية تحت سلطة المؤسسة الوطنية للإعلام، التي تشمل أيضًا الهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي، وهي هيئة مسؤولة عن رصد وتتبع الإخلالات المهنية في الخطاب الإعلامي، إضافةً إلى مؤسسات حكومية تم إنشاؤها من قبل حكومة الوحدة الوطنية، ومن ثم ضمها إلى المؤسسة الوطنية للإعلام، ومنها صندوق دعم الإعلاميين، مصلحة الفضاء السمعي، وشبكة واسعة من الإذاعات العامة.

 ومع ذلك، فإن تعيين رئيس المؤسسة  ونائبه، مباشرة من قبل رئيس الوزراء،  يثير مخاوف كبيرة بشأن استقلاليتها عن السلطة التنفيذية. يزيد هذا التركيز للسلطة من مخاطر السيطرة الحكومية على الإعلام العمومي والتدخل في القرارات التحريرية، حيث فشل القرار في ضمان مسار تعيين يضمن التعددية والشفافية، بما يتماشى مع المعايير الدولية  لحرية الإعلام. إن ما يثير القلق بشكل خاص هو الصلاحيات الواسعة للمؤسسة، على غرار إصدار التراخيص واذونات المزاولة لممارسة العمل الإعلامي والصحفي، والتي يمكن استغلالها لتقييد حرية الصحافة.

استمرار استهداف الصحفيين بـ الاعتداءات والاعتقالات التعسفية والاحتجاز

لا يزال الصحفيون في ليبيا يتعرضون لانتهاكات متعددة، بما في ذلك الاعتداءات والتضييقات، منذ أكثر من عقد، في ظل استمرار تدهور أوضاع حرية الصحافة. ففي 31 أكتوبر 2024، تعرّض الصحفي محمد صريط، رئيس تحرير صحيفة الحياة الليبية في بنغازي، للاختفاء القسري لمدة 20 يومًا، على خلفية منشور على فيسبوك انتقد فيه الأوضاع العامة. وقد أُطلق سراحه لاحقًا من قبل جهاز الأمن الداخلي في المنطقة الشرقية.

وفي 11 يوليو 2024، تم اعتقال الصحفي أحمد السنوسي، مدير صحيفة الصدى الاقتصادية، من قبل جهاز الأمن الداخلي في طرابلس، إثر شكوى تقدم بها وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة الوحدة الوطنية، وذلك بعد أن نشر السنوسي وثائق تتعلق بقضايا فساد داخل وزارة الاقتصاد والتجارة بالحكومة ذاتها.وفي سياق أوسع، يستمر محاكمة الصحفيين أمام المحاكم العسكرية. ففي مايو 2020، حكمت محكمة عسكرية في بنغازي على المصور الصحفي والناشط إسماعيل بوزريبة الزوي بالسجن 15 عامًا بتهم تتعلق بالإرهاب، استنادًا إلى محتوى عُثر عليه في هاتفه، من بينها رسائل تنتقد القيادة العامة للجيش الليبي وعملية الكرامة. وقد اعتقلته قوات الأمن الداخلي في أجدابيا في ديسمبر 2018، وتم الإفراج عنه في سبتمبر 2021.ومؤخرًا.

فيما لا يزال الصحفي صالحين الزروالي محتجزًا منذ مايو 2024، بسبب منشورات على فيسبوك تنتقد السلطات. ويُحاكم حاليًا أمام محكمة عسكرية في بنغازي، وظهر لأول مرة أمام المحكمة في 13 مارس 2025 بعد عدة تأجيلات. ولم يُسمح لمحاميه سوى بالاطلاع المحدود على ملف القضية.

ضرورة دعم إصلاح قطاع الإعلام بالتشاور مع المجتمع المدني

أدت الانقسامات السياسية المستمرة في ليبيا، إلى جانب المشهد الإعلامي المجزأ والمسيّس بشدة، إلى تعريض الصحفيين بشكل متزايد للتهديدات والمضايقات والاعتقالات التعسفية. كما تعمل المؤسسات الإعلامية في ظل خطر دائم من الرقابة أو الإغلاق المفاجئ، مما يقيّد بشدة قدرة الليبيين على الوصول إلى مصادر إعلامية مستقلة وتعددية، وهي ركيزة أساسية للحكم الديمقراطي.

تُعد حرية واستقلالية الإعلام أمرًا بالغ الأهمية لتعزيز المساءلة، وتشجيع المشاركة المدنية، ودعم مسار ليبيا نحو الاستقرار والديمقراطية. وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، تدعو المنظمات الموقعة أدناه البرلمان الليبي إلى إعطاء الأولوية للتعاون مع المجتمع المدني والصحفيين والمهنيين الإعلاميين من أجل تطوير إصلاحات شاملة في قطاع الإعلام. ويجب أن تضمن هذه الإصلاحات استقلالية القطاع الإعلامي عن التدخلات التنفيذية، وأن تتماشى مع التزامات ليبيا الدولية في مجال حقوق الإنسان.

ومن الضروري تبني عملية إصلاح إعلامي جديدة عبر مقاربة شفافة وتشاركية تدمج الصحفيين والمؤسسات الإعلامية وممثلي المجتمع المدني. فعلى مدار سنوات، ظل المجتمع المدني المحلي يطالب بتشريعات تحمي حرية الصحافة وتُعزز استقلالية الإعلام وتعدديته وسلامة الصحفيين وفقًا للمعايير الدولية.  ومنذ عام 2018، تُبذل جهود لاستبدال قانون المطبوعات والنشر القديم والمثير للجدل. وفي عام 2022، قامت المنظمة الليبية للإعلام المستقل بإعداد مشروع قانون لتنظيم الإعلام شارك في صياغته قانونيون وأكاديميون وصحفيون وبعض المهتمين من مؤسسات المجتمع المدني، وقد قُدم مجددًا خلال جلسات الحوار مع المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب في عام 2024. وقد  قامت منظمة المادة 19  بتحليل مشروع القانون المقترح، وبينما تشيد المنظمة بهذه المبادرات وتقر بأن المسودة تحتوي على العديد من المواد الإيجابية، فإنها ترى أن هناك حاجة إلى مزيد من التنقيح لضمان التوافق الكامل مع المعايير الدولية.

 

وبناءً عليه، تدعو المنظمات الموقعة السلطات الليبية إلى اتخاذ الخطوات التالية:

  • إلغاء القانون رقم 76 لسنة 1972 بشأن المطبوعات، واعتماد قانون إعلام شامل وجديد يتم تطويره بالتشاور مع المجتمع المدني، والصحفيين، ونقابات الصحافة، وجميع الجهات المعنية.
  • إحداث هيئة تنظيمية مستقلة تُعنى بتعديل وتنظيم قطاع الإعلام السمعي والبصري، على أن تحظى بجميع ضمانات الاستقلالية المؤسسية والإدارية والمالية
  • مراجعة وتحديث الإطار القانوني المنطبق على حرية التعبير والإعلام، بما في ذلك إلغاء المواد الواردة في قانون العقوبات التي تُجرّم التعبير، ومراجعة قانون الجرائم الإلكترونية رقم 5 لسنة 2022، وقانون مكافحة الإرهاب رقم 3 لسنة 2014، بما يضمن الامتثال الكامل لالتزامات ليبيا الدولية في مجال حقوق الإنسان.
  • اعتماد قانون يضمن الحق في الوصول إلى المعلومات، باعتباره حجر الأساس في الشفافية والمساءلة وتعزيز حرية التعبير
  • دعم برامج تدريبية للمحامين والقضاة في مجال حقوق الصحفيين وحرية التعبير، بما في ذلك التعاون مع مبادرات المجتمع المدني، من أجل ضمان تحقيق العدالة في القضايا المتعلقة بالصحافة

 

المنظمات الموقعة 

  • المنظمة الليبية للإعلام المستقل
  • المركز الليبي لحرية الصحافة
  • مجموعة رابسا للإعلام و الثقافة 
  • شبكة أصوات 
  • منظمة المادة 19
  •  مركز الخليج لحقوق الإنسان
  • المؤسسة الليبية للصحافة الاستقصائية LIFIJ

 

إلغاء المراسيم المقيدة خطوة أولى نحو حرية الجمعيات

إلغاء المراسيم المقيدة خطوة أولى نحو حرية الجمعيات

يثني مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومنظمات المنصة الليبية على قرار المحكمة المدنية الابتدائية في البيضاء بشرق ليبيا، والصادر في 4 ديسمبر الجاري، بإلغاء مرسومين لحكومة الوحدة الوطنية، تم اعتمادهما عام 2023، وشكلا تهديدًا خطيرًا لوجود الجمعيات المحلية والدولية العاملة في ليبيا.

المرسومان المعنيان هما المرسوم رقم 312 الصادر في 22 مايو 2023، والمرسوم رقم 7 الصادر في 21 مارس 2023. إذ يقضي الأول بتشكيل لجنة تحت إشراف رئيس الوزراء، تتولى الإشراف على المجتمع المدني، مع صلاحيات واسعة وغير مبررة، تبيح التدخل في عمل الجمعيات، على نحو ينتقص من استقلالها. بينما يجبر المرسوم رقم 7 الجمعيات على توفيق أوضاعها بموجب قانون تنظيم الجمعيات سيئ السمعة رقم 19 لعام 2001، الذي يعود لعهد القذافي، مما يعيق عمل منظمات المجتمع المدني.

يتعارض القانون 19/2001، مع المادة 15 من الإعلان الدستوري الليبي 2011، ومع ضمانات حرية التنظيم وتكوين الجمعيات وفقًا للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (المادة22) والذي انضمت إليه ليبيا عام 1970. ورغم إلغاء هذا القانون رسميًا بموجب الإعلان الدستوري الليبي، والمادة 6 من القانون رقم 29 لسنة 2013، ما زالت الأنظمة المتعاقبة في ليبيا تستند إليه.

جاء حكم المحكمة الابتدائية استجابًة للطعن القانوني الذي قدمته منظمتا الأمان لمناهضة التمييز العنصري، والحوار من أجل التحول الديمقراطي، على مرسومي حكومة الوحدة الوطنية، باعتبارهما يتعارضان مع ضمانات حرية تكوين الجمعيات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها ليبيا ومع الإعلان الدستوري الليبي. ورغم أن إلغاء هذه المراسيم يمثل انتصارًا لحرية التنظيم، إلا أن تقاعس البرلمان الليبي عن إقرار تشريع جديد ينظم عمل الجمعيات ويكفل حريتها.

ففي ظل هذا الفراغ التشريعي، أصدرت السلطات الليبية الشرقية والغربية، بين عامي 2016 ومارس 2023، 7 قرارات ولوائح إدارية، تفرض قيودًا تنفيذية على عمل وتسجيل المنظمات المحلية والدولية وتصادر حريتها، وتستهدف بشكل خاص منظمات حقوق الإنسان، وتترك المنظمات عرضة لمداهمة مقارها وتعليق أنشطتها وتجميد أصولها وحتى حلها، دون أمر من المحكمة. مثل القرار رقم 1 ورقم 2 لعام 2016 الصادرة عن حكومة الشرق، والقرار رقم 286 لعام 2019 الصادر عن المجلس الرئاسي في طرابلس، والقرار رقم 5 لعام 2023 الصادر عن اللجنة العامة للمجتمع المدني لحكومة طرابلس. وبسبب هذه القرارات تضطر منظمات المجتمع المدني إلى توقيع تعهد بعدم التواصل مع الكيانات الأجنبية دون موافقة الحكومة، على نحو يقوض من عملها واستقلالها. كما يتعين عليها الحصول على إذن من لجنة المجتمع المدني لتلقي تمويل أو الانخراط في تنفيذ أي مشروع.

ومع ذلك، ورغم أن إلغاء هذه المراسيم يمثل انتصارًا كبيرًا، إلا أن الإشكالية الأساسية المتمثلة في استمرار العمل بالقانون رقم 19 لعام 2001 لا تزال دون حل. فهذا القانون يحظر تأسيس منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان، ولا يعتد إلا بالمنظمات التي تقدم خدمات اجتماعية أو ثقافية أو رياضية أو خيرية أو إنسانية. كما يتطلب موافقة الجهة التنفيذية على تأسيس المنظمات، ويمنح السلطات حق غلق المنظمات أو حلها أو دمجها أو تعيين مجلس إدارة مؤقت لتولي شئونها، دون إذن أو إشراف قضائي. ومن ثم، فتقاعس البرلمان الليبي عن سن تشريع جديد ينظم عمل الجمعيات ويضمن استقلالها، يترك الباب مفتوحًا لتطبيق القانون القمعي رقم 19/2001، ويتسبب في تجاوز السلطة التنفيذية لدورها إلى سلطة التشريع، مما يقوض بشكل كبير فرص تنمية المجتمع المدني.

ونحن إذ نقر أن قرار المحكمة الأخير يمثل علامة فارقة في سبيل تحرير العمل الأهلي وحرية تكوين الجمعيات في ليبيا، إلا أنه كخطوة أولى يستلزم أن يستتبعه مزيد من الإجراءات. ولذا، نطالب البرلمان الليبي بسرعة النظر في مقترح القانون المقدم من منظمات المجتمع المدني الليبي بشأن تحرير العمل الأهلي، والمقدم للجنة التشريعية للبرلمان منذ أكتوبر 2021، والعمل على سرعة إقرار قانون جديد يضمن حرية تكوين الجمعيات، كما نطالب الحكومة الليبية بـ:

  • تفعيل قرار المحكمة واحترامه علنًا، والاعتراف بشرعية جميع الجمعيات المسجلة منذ عام 2011 وإعادة التأكيد على سلامة وضعها القانوني.
  • تعليق تطبيق القانون رقم 19 لسنة 2001، وأي قرار يستند إليه.
  • اتخاذ خطوات ملموسة لخلق بيئة مواتية لعمل منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك ضمان سلامتها وأمنها.
بيان صحفي: على السلطات الليبية إطلاق سراح المدير التنفيذي ومدير إدارة التسجيل بمفوضية المجتمع المدني في بنغازي

بيان صحفي: على السلطات الليبية إطلاق سراح المدير التنفيذي ومدير إدارة التسجيل بمفوضية المجتمع المدني في بنغازي

بيان صحفي

26 ديسمبر 2022

تعرب المنظمات الحقوقية الليبية الموقعة أدناه عن استنكارها وقلقها الشديدين إزاء قيام جهاز الأمن الداخلي في 18 ديسمبر الجاري باحتجاز المدير التنفيذي لمفوضية المجتمع المدني في بنغازي إبراهيم المقصبي، بالإضافة إلى احتجاز مدير إدارة التسجيل والتوثيق وشؤون الفروع بالمفوضية سالم المعداني في 22 ديسمبر. ويأتي احتجاز المقصبي والمعداني في ظل حملة أمنية متصاعدة في ليبيا منذ نهاية العام الماضي ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية المستقلة. ومؤخرًا اتسع نطاق الحملة لتطال بعض موظفي المفوضية، وذلك في إطار سعي الأجهزة الأمنية للهيمنة على المجتمع المدني في ليبيا وتأميم نشاطه وإدارة شؤونه عبر موظفين ومسؤولين يخضعون للتعليمات الأمنية.

وقد تابعت المنظمات الموقعة النزاع الذي نشب في مفوضية المجتمع المدني في بنغازي خلال الآونة الأخيرة، والذي شهد تقديم مبروكة بالتمر رئيس مجلس مفوضية المجتمع المدني السابقة لبلاغ ضد إبراهيم المقصبي اتهمته فيه باستمراره في عمله بالرغم من إنهائها لندبه. وبالرغم من قيام النيابة العامة في 18 ديسمبر بحفظ التحقيق في الشكوى، إلا أن جهاز الأمن الداخلي قام باحتجاز المقصبي في نفس اليوم. وقد أصدر مجلس إدارة المفوضية بيان استنكر فيه احتجاز المقصبي، على إثر الشكوى المشار إليها أعلاه، والتي قدمتها رئيسة المفوضية السابقة بعدما قام المجلس بسحب ثقته منها. كما ذكر المجلس في بيانه أن جهاز الأمن الداخلي قام أيضًا بمصادرة أجهزة حاسوب من مكاتب الإدارة التنفيذية. وأكد المجلس توقف المفوضية عن العمل لحين إطلاق سراح المقصبي واستعادة الأجهزة المصادرة.

الجدير بالذكر أنه خلال الشهر الجاري قامت الرئيسة السابقة للمفوضية بإلغاء قرار صادر عن المفوضية بمنح تراخيص مزاولة العمل لـ 37 منظمة غير حكومية دولية تعمل في ليبيا، وهو ما دفع المدير التنفيذي لإصدار بيان في اليوم التالي يؤكد فيه أن القرار صدر عن السيدة بالتمر بعد سحب الثقة منها وتكليف نائب الرئيس السيد محمود عيسى البرعصي بمهام رئيس المجلس مؤقتًا، وطلب المدير التنفيذي المنظمات الدولية غير الحكومية العاملة في ليبيا بالاستمرار في إجراءات تجديد التراخيص. وهو ما يجعل المنظمات الموقعة تعتقد بأن أسباب احتجاز المقصبي والمعداني تتجاوز ما يثار حول الخلاف الإداري داخل المفوضية، وأنهما ربما يدفعان ثمن سياساتهما الداعمة للمجتمع المدني وعدم انضمامهما للحملة الأمنية القمعية ضد المجتمع المدني. وفي هذا الإطار، تشير المنظمات الموقعة أنها لاحظت خلال العام الماضي لجوء العديد من المنظمات للتسجيل لدى مفوضية المجتمع المدني في بنغازي؛ هربًا من القيود التعسفية التي تفرضها المفوضية في طرابلس على تسجيل الجمعيات.

إن المنظمات الحقوقية الليبية الموقعة على البيان تدعو السلطات الليبية إلى:

1 – ضمان سلامة المدير التنفيذي لمفوضية المجتمع المدني في بنغازي ومدير إدارة التسجيل بالمفوضية وإطلاق سراحهما فورا دون قيد أو شرط.

2 – بذل الجهود اللازمة لإعادة هيكلة مفوضية المجتمع المدني وتوحيدها تحت إدارة واحدة مستقلة، تضم أشخاص أكفاء مشهود لهم بالنزاهة والاستقلال واحترام حقوق الإنسان والحرص على حماية نشاط المجتمع المدني.

3 – وقف تدخل الجهات الأمنية في شؤون مفوضية المجتمع المدني ووقف الحملة الأمنية المتصاعدة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والعاملين بمنظمات المجتمع المدني.

4 – اتخاذ إجراءات فورية تسمح لمجلس النواب بمناقشة مشروع قانون الجمعيات المطروح من المجتمع المدني الليبي منذ أكثر من عام، وبذل الجهود اللازمة لوضع تشريع ينظم عمل المجتمع المدني في ليبيا وفقًا للمعايير الدولية لحرية التنظيم وتكوين الجمعيات.

 

المنظمات الموقعة:

مركز مدافع لحقوق الإنسان
منبر المرأة الليبية من أجل السلام
شبكة أصوات للإعلام
عدالة للجميع
مركز ليبيا المستقبل للإعلام والثقافة
رصد الجرائم في ليبيا
المنظمة الليبية للإعلام المستقل
منظمة الأمان لمناهضة التمييز العنصري
المنظمة العربية الدولية لحقوق المرأة – طرابلس
منظمة 17 فبراير للبيئة وحقوق الإنسان – مصراتة
منظمة شباب من أجل تاورغاء
حقوقيون بلا قيود
منظمة نوازي لدراسات النوع الاجتماعي
منظمة التضامن لمناصرة قضايا المرأة
المركز الليبي لحرية الصحافة
المنظمة المستقلة لحقوق الإنسان
منصة آثر

منظمات حقوقية تطالب مجلس النواب الليبي بإلغاء قانون الجرائم الإلكترونية فورًا

منظمات حقوقية تطالب مجلس النواب الليبي بإلغاء قانون الجرائم الإلكترونية فورًا

 

تطالب المنظمات الموقعة أدناه مجلس النواب الليبي بإلغاء القانون رقم (5) لسنة 2022 بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية الصادر في 27 سبتمبر 2022. كما تدعو السلطات الليبية إلى عدم تطبيقه بسبب مساسه بصفة مباشرة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية وعلى رأسها الحق في حرية التعبير والرأي والحق في حرية التجمع السلمي بالإضافة إلى الحق في الخصوصية وحماية المعطيات الشخصية. كما يقنن هذا النص الرقابة الشاملة للسلطة التنفيذية على الفضاء الرقمي دون إذن قضائي مع إمكانية حجب المواقع والمحتوى. 

 

بعد قرابة السنة من المصادقة عليه بتاريخ 26 أكتوبر 2021، قرر مجلس النواب الليبي إصدار قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية يوم 27 سبتمبر 2022 دون سابق إنذار وفي تجاهل تام للمطالب السابقة لمنظمات المجتمع المدني وأربعة من المقررين الخواص للأمم المتحدة بسحب القانون وعدم تطبيقه نظرا لتعارضه مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والتزامات ليبيا الدولية، إضافة لغياب مبدأ الحوار والتشارك مع مختلف الفاعلين وأصحاب المصلحة عند صياغته. 

 

في هذا الإطار، يهم المنظمات الموقعة على هذا البيان التذكير بأبرز المخاطر التي يشكلها هذا القانون والذي لم يكن متاحا إلا في شكل تسريبات على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن يقوم مجلس النواب بنشره بصفة رسمية على صفحته على منصة فيسبوك بعد بضعة أيام من صدوره بصفة فعلية.

مصطلحات عامة وفضفاضة مخالفة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان

تنص المادة الرابعة من القانون على أن يكون “استخدام شبكة المعلومات الدولية ووسائل التقنية الحديثة مشروعة ما لم يترتب عليه مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة”، معتبرة بصفة آلية أن كل استعمال قد يخالف مصطلحات فضفاضة مثل “النظام العام” أو”الآداب العامة” غير مشروع وبالتالي غير قانوني. كما تنص المادة السابعة أنه بإمكان الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات “حجب كل ما ينشر النعرات أو الأفكار التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره أو المساس بسلمه الاجتماعي” دون تحديد واضح لمعنى “أمن المجتمع” و”سلمه الاجتماعي”، وتفرض المادة الثامنة على نفس الهيئة حجب المواقع أو الصفحات الإلكترونية التي تعرض مواد “مخلة بالآداب العامة”. كما نصت المادة 37 على عقوبات سجنية ومالية قاسية لـ“كل من بث إشاعة أو نشر بيانات أو معلومات تهدد الأمن والسلامة العامة في الدولة أو أي دولة أخرى”. 

 

إن استعمال العبارات والمصطلحات الفضفاضة على غرار ما سبق يُخالف المعايير الدولية لحقوق الإنسان المعتمدة في صياغة التشريعات المتعلقة بتقييد حق الرأي والتعبير، إذ يجب على هذه النصوص أن “تُصاغ بدقة كافية حتى يتسنى للفرد ضبط سلوكه وفقا لها” مثلما نص عليه التعليق العام رقم 34 لمجلس حقوق الإنسان حول المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه ليبيا منذ 15 ماي 1970. ومن شأن عدم دقة أحكام هذا القانون أن تؤدي إلى منح سلطة تقديرية واسعة سواء للقضاء أو للسلطة التنفيذية، ممثلة في الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات (NISSA)، للحد من استعمالات الفضاء الرقمي وما لذلك من تبعات على الحق في حرية الرأي والتعبير والحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، دون ضوابط قانونية واضحة ومشروعة ومحددة سلفًا. 

 

رقابة شاملة وحجب مواقع ومحتوى دون أذون قضائية

 

تعتبر المادة السابعة من هذا القانون في غاية الخطورة، حيث تتيح للهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات فرض رقابة شاملة على كل المعطيات المنشورة والمعروضة على شبكة الإنترنت أو “أي نظام تقني آخر”، كما يمنح للهيئة سلطة حجب “كل ما ينشر النعرات أو الأفكار التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره أو المساس بسلمه الاجتماعي”. إن منح كل هذه السلطة التقديرية الواسعة لجهاز تنفيذي تحت عبارات عامة وفضفاضة هو في تعارض تام مع التزامات ليبيا الدولية وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وهو ما نبهنا إليه سابقا وأشار إليه المقررين الخواص في رسالتهم المشتركة إلى السلطات الليبية بتاريخ 31 مارس 2022. وأوضحت الرسالة أن حجب المحتوى الإلكتروني يكون في إطار محدد إثر قرار من سلطة قضائية مستقلة ومحايدة وفي توافق مع مبادئ الشرعية والضرورة والتناسب. كما اعتبر المقررين أن على الدول الامتناع عن المراقبة القبلية للمحتوى مثلما هو الحال في هذه المادة. 

 

كما يضيف غموض عبارة “أي نظام تقني آخر” معضلة أخرى في مدى إمكانية توسع الهيئة في مراقبة نظم تكنولوجية ووسائل تواصل أخرى قد لا تكون مشمولة بكافة مواد هذا القانون، مما يخلق حالة من عدم الوضوح القانوني قد توظفه السلطة التنفيذية في غير محله خاصة مع غياب دور واضح لسلطة مُوازنة وضامنة لعدم انحراف السلطة التنفيذية في تطبيق وتفسير القانون ممثلة في السلطة القضائية.

 

بناء على ما سبق، تعتبر هذه المادة مخالفة للحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، لأنها تقوض الحق في مشاركة وتقبل المعلومة في الفضاء الرقمي التي قد يتم حجبها حسب تقدير الهيئة وفي غياب لرقابة قضائية، خاصة في ظروف سياسية معينة مثل الاحتجاجات أو الفترات الانتخابية، حيث تمثل الإنترنت وسيلة رئيسية للجماهير للبحث عن المعلومة وإمكانية التنظم للتعبير عن رأيهم وتوجهاتهم بعيداً عن رقابة السلطة التنفيذية القائمة، وهو نفس الاستنتاج الذي ذهب إليه المقررين الخواص. 

تهديدات خطيرة لحرية الصحافة والنشر والتعبير

 

مثلما كان عليه الحال في النسخة المسربة سابقا على وسائل التواصل الاجتماعي، أبقى البرلمان على المادتين 13 و47 المتعلقتين تباعا ب”الاعتراض أو التعرض” و”التنصت غير المشروع” في النسخة النهائية الصادرة مؤخرا. تمثل هاتين المادتين تهديدا واضحا لحق الصحفيين في النفاذ إلى المعلومات والتواصل مع المبلغين والمصادر ونشر المعطيات المتحصل عليها في إطار دورهم الإعلامي، وبالتالي حرمان عموم المواطنين والمواطنات من حقهم في المعلومة عبر صحافة حرة غير خاضعة لتقديرات السلطة التنفيذية في تأويل عبارات عامة وفضفاضة مثل “النظام العام” أو “المصلحة العامة”. كما يشمل الغموض تعريف عبارة “الاعتراض” الواردة في المادة الأولى على أنها “مشاهدة البيانات أو المعلومات أو الحصول عليها”، مما يوسع في السلطة التقديرية سواء للسلط التنفيذية أو القضائية في تأويل كل ما يمكن الحصول عليه عبر “الأنظمة الإلكترونية”. 

 

وتتعارض هذه الإجراءات مع المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في فقرتها الثانية التي تنص أنّ “لكل إنسان الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”، وهذا ما أكدناه سابقا وما أكدته مراسلة المقررين الخواص للأمم المتحدة الموجهة للسلطات الليبية. 

 

قد تزيد هذه الإجراءات من هشاشة وضع الصحافة في ليبيا، حيث أن الصحفيين والصحفيات يتعرضون بصفة مستمرة للتضييقات والتهديدات والعنف الجسدي مما جعل ليبيا في ترتيب متأخر في مؤشر حرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود، إذ تحتل الرتبة 143 من جملة 180 بلدا، وبالتالي تكون مطية قانونية لشرعنة هذه الانتهاكات في ظل مناخ يتسم بعدم الاستقرار السياسي وتفشي ظاهرة الإفلات من العقاب

اعتداء مقنن على الخصوصية وتهديد للأمن الرقمي للمواطنين والمواطنات

 

جرمت المادتين 9 و 39 من القانون حيازة وسائل التشفير واستعمالها، حيث نصت المادة 39 أنّه “يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن 20000 عشرين ألف دينار ولا تزيد على 100000 مائة ألف دينار كل من أنتج أو حاز أو وفر أو زرع أو سوق أو صنع أو صدر أو استورد وسائل تشفير دون ترخيص أو تصريح من قبل الجهة المختصة في الدولة”، وحسب المادة 9 فإن هذه الجهة المختصة هي الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات، أي نفس المؤسسة التابعة للسلطة التنفيذية التي مكنها القانون من سلطة رقابة مطلقة على كل ما ينشر ويعرض في الفضاء الرقمي. 

 

تعتبر وسائل التشفير الرقمي من أهم المكتسبات التي تمكن المواطنين والمواطنات من ممارسة حقهم في حرية الرأي والتعبير مع احترام حقهم في الخصوصية، وبالتالي لا يجوز لأي سلطة أن تحد من امكانية حيازتها أو استعمالها إلا في حالات محددة تضبطها شروط الشرعية والضرورة والتناسب، وهو ما يتعارض مع محتوى المادتين 9 و 39 من هذا القانون. وفي هذا الصدد، أكد المقرر الأممي الخاص لحرية الرأي والتعبير رفقة عدد من الخبراء في الإعلان المشترك حول تحديات حرية التعبير في العقد القادم الصادر سنة 2020 أنه يجب على الدول أن “تمتنع عن إستعمال قيود اعتباطية أو غير قانونية على استخدام تقنيات التشفير وإخفاء الهوية”، وهو عكس ما جاء به هذا القانون الذي قيد استعمال هذه الوسائل ب”ترخيص أو تصريح” من قبل هيئة تابعة للسلطة التنفيذية وحدد عقوبات زجرية لكل من يخالف هذا الإجراء. 

 

إذا أخذنا بعين الاعتبار هذا الحصار المفروض على وسائل التشفير مع ما منحه القانون من سلطة رقابة شاملة وإمكانية حجب المحتوى والمواقع، بالإضافة إلى المواد التي تهدد حرية العمل الصحفي وحق المواطنين والمواطنات في التعبير عن رأيهم والحصول على المعلومات، يصبح من الجلي أن هذا التشريع يشكل خطراً داهما على حقوق الإنسان والحريات العامة في ليبيا وعلى رأسها الحق في حرية الرأي والتعبير والحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات والحق في الخصوصية.

تنقيحات غير ذات معنى في ظل قانون يهدم أبجديات الحقوق والحريات الرقمية 

 

احتوت النسخة المصادق عليها من قبل مجلس النواب بتاريخ 27 سبتمبر 2022 سبع تغييرات مقارنة بالنسخة التي توفرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي في أكتوبر من سنة 2021. تمثلت هذه التغييرات في تعديل تعريف القرصنة الإلكترونية في المادة 3 ليصبح “الاستخدام أو النسخ غير المشروع لنظم التشغيل أو البرامج الحاسوبية المختلفة في نظام الحماية الخاصة” عِوَض “الاستخدام أو النسخ غير المشروع لنظم التشغيل أو البرامج الحاسوبية المختلفة والاستفادة منها شخصيا أو تجاريا”، كما تمت إضافة تعريف جديد يخص الهيئة حيث عرفها المشرع على أنها “الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات المنشأة بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 28 لسنة 2013م”. تم أيضا تغيير عنوان المادة 6 إلى “الأعمال الأدبية أو الفنية أو العلمية” بدلا من “الأعمال الأدبية أو الفنية أو العلمية الرقمية”.

 

بالإضافة إلى هذه التنقيحات، وردت أخرى تخص بعض الإجراءات والعقوبات، حيث تم تعديل المادة 7 في فقرتها الثانية بحذف “وفي غير أحوال الضرورة الأمنية والاستعجال” ليصبح نص المادة في فقرة واحدة كالآتي “يجوز للهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات مراقبة ما ينشر ويعرض عبر شبكة المعلومات الدولية أو أي نظام تقني آخر، وحجب كل ما ينشر النعرات أو الأفكار التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره أو المساس بسلمه الاجتماعي، ولا يجوز مراقبة الرسائل الإلكترونية أو المحادثات إلا بأمر قضائي يصدر عن القاضي الجزئي المختص.” كما تم تعديل مدة العقوبات في المادة 13 حول الاعتراض والتعرض بزيادة مدة الحبس من ستة أشهر إلى سنة، وفي المادة 45 حول مساعدة الجماعات الإرهابية حيث تم حذف عبارة “المؤبد” لتكون “يعاقب بالسجن” عوض “يعاقب بالسجن المؤبد”.

 

تبقى هذه التنقيحات غير ذات معنى في ظل قانون يكرس الرقابة الشاملة ويمنح الأجهزة التنفيذية سلطة حجب المواقع والمحتوى ويفرض قيودا على استعمال وسائل التشفير، في ظل مصطلحات فضفاضة مثل “الآداب العامة” أو “النظام العام” وفي تعارض تام مع مبادئ حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وخلافا لتعهدات ليبيا الدولية وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإعلان الدستوري المؤقت الصادر في 3 أغسطس 2011 وتعديلاته حيث ينص في مادته السابعة على أن “تصون الدولة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتسعى إلى الانضمام للإعلانات والمواثيق الدولية والإقليمية التي تحمي هذه الحقوق والحريات، وتعمل على إصدار مواثيق جديدة تكرم الإنسان كخليفة الله في الأرض.”

 

تبعا لما سبق، فإن مكونات المجتمع المدني والمنظمات الموقعة أدناه:

 

  1. تطالب مجلس النواب الليبي بالإلغاء الفوري للقانون رقم (5) لسنة 2022 بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية.
  2. تدعو السلطات الليبية إلى عدم تطبيق هذا القانون والعمل على صياغة قانون جديد يتماشى مع الإعلان الدستوري الليبي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والتزامات ليبيا الدولية.
  3. تطالب مجلس النواب وباقي السلطات الليبية إلى اعتماد مبدأ الحوار والتشارك مع المجتمع المدني الليبي والمنظمات الدولية المختصة عند صياغة أي مشروع قانون يخص الحقوق والحريات الأساسية.

 

المنظمات والجمعيات الموقعة:

 

أكساس ناو 

هكسا كونكشن

مبادرة أنير

رصد الجرائم الليبية

محامون من أجل العدالة في ليبيا 

المركز الليبي لحرية الصحافة 

شبكة اصوات للإعلام

شبكة انسم للحقوق الرقمية – العراق

منظمة سمكس للحقوق الرقمية

المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب

المنظمة المستقلة لحقوق الإنسان

منّا لحقوق الإنسان

المنظمة الليبية للمساعدة القانونية

مركز مدافع لحقوق الإنسان

عدالة للجميع

مركز ليبيا المستقبل للإعلام والثقافة

مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان

مراسلون بلا حدود

مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان 

منظمة الأمان لمناهضة التمييز العنصري 

منظمة شباب من أجل تاورغاء

المادة 19